۵ آذر ۱۴۰۳ |۲۳ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 25, 2024
الإمام موسى الصدر

وكالة الحوزة ـ قرأ الكاتب المسيحي، الأستاذ سليمان الكتاني كتابه "فاطمة الزهراء (ع) وتر في غمد" علی الإمام موسى الصدر فکتب الإمام هذه المقدمة التي تناول فيها شتى زوايا حياة السيدة الزهراء عليها السلام، و قد اشترک الکتاب في مسابقة في النجف الأشرف و نال الجائزة الأولی بتاریخ 22 سبتمبر 1968.

وكالة أنباء الحوزة ـ قرأ الكاتب المسيحي، الأستاذ سليمان الكتاني كتابه "فاطمة الزهراء (ع) وتر في غمد"  علی  الإمام موسى الصدر فکتب الإمام هذه المقدمة التي تناول فيها شتى زوايا حياة السيدة الزهراء عليها السلام، و قد اشترک الکتاب في مسابقة في النجف الأشرف و نال الجائزة الأولی بتاریخ 22 سبتمبر 1968. وفيما يلي الحلقة الثانية من التعليق: 


القرآن الكريم على خلاف جميع الآراء الفلسفية والمذهبية والعادات التي كانت قبل وحال نزوله وعلى خلاف كثير من الآراء والعادات المتأخرة، القرآن يحدد المرأة ويعتبرها مثل الرجل في الحقيقة وفي الذات: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا﴾ [الروم، 21]. ثم يعلن أنها تشارك مشاركة جوهرية في تكوين الطفل، وليست ممرًا لإنجاب الرجل ولا حقلًا لبذره: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً﴾ [النساء، 10]. وقد جعل الله النبي محمدًا بالذات شاهد صدق على هذا الموقف، حيث جعل نسله من فاطمة ورد على من سماه أبتر بعد موت ابراهيم ابنه من ماريا القبطية: ﴿إنا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر] في السنة الثانية من الهجرة.
ويؤكد القرآن في كثير من الآيات هذه المساواة ويكرر عبارة "بعضهم من بعض"، ثم يسن قوانين لاحترام نفس المرأة وطرف المرأة، الطرف في مصطلح الفقهاء أجزاء الجسد مقابل النفس يعني الحياة، فالدية والقصاص ثابتة بالنسبة للرجل والمرأة على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية، ولاحترام عمل المرأة ماديًا، من المحرمات الكبيرة فرض عمل على الرجل وعلى المرأة حتى من زوجها، أو منع الرجل أو المرأة من العمل وحجز حريتهما، أو حرمان العامل أو العاملة أجرتهما. ومعنويًا، ﴿إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى﴾ [آل عمران، 195] وإقتصاديًا، ﴿للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ [النساء، 32]. وسياسيًا: ﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن﴾ [الممتحنة، 13] ويؤكد احترامه لقرابتها في الميراث، ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا﴾ [النساء، 7] واعترافه بجميع حقوقها في جميع شؤون الحياة. ﴿ولهن مثل الذي عليهن﴾ [البقرة، 22].
ولا نجد في جميع الآيات القرآنية ما يمنع المرأة من التصرف في أموالها، حتى بعد الزواج، [فيما] لا يزال بعض القوانين في العالم المعاصر وفي البلاد المتحضرة، يحجر على المرأة بعد الزواج فيما لها. أو يسمح بفرض الزواج عليها دون رضاها. وحق الوالد في زواجها الأول حق استشاري وليس له فرض الزواج عليها، ثم أن الوالد إذا عضل ومنع البنت من الزواج مع وجود المصلحة والكفاءة، يسقط حقه.
والآيات التي تضيف المرأة إلى الرجل لبيان الأحكام أو التقدير أو المواعظ أو العبر كثيرة جدًا، دون أن تقلل من مقامها أو تحتقرها أو تعتبرها أقل شأنًا من الرجل. ﴿من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ [النحل، 97].
﴿إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا﴾ [الأحزاب، 35].
وفي خصوص الحياة الزوجية ولأجل صيانة الزوجة، وعدم وصول الحياة المشتركة بين الزوجين إلى مأزق، وحتى يمكن البت بالأمور العائدة إلى شؤونهما المشتركة جعل للرجل على زوجته، دون غيرها من النساء درجة، وذلك بعد أن أكد تماثل الحقوق والواجبات في الآية الكريمة: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾ [البقرة، 22].
وهذه الدرجة هي التي عبر القرآن الكريم عنها في مكان آخر. ﴿الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا﴾ [النساء، 34].
والمتعمق في دراسة القرآن الكريم يجد أن الفروق التي يثبتها بين الرجل والمرأة، تكرس المساواة الذاتية وتولي الاهتمام العادل بأمرهما على حد سواء. فالتفاوت في الأحكام وفي الواجبات والحقوق، إنما يرجع إلى التفاوت في الكفاءات بينهما وإلى اختصاص كل منهما، في أكثر الأحيان، بنوع خاص من الإستعداد يختلف عن الآخر.
فالمرأة بمقتضى خَلقِها الجسدي والروحي تصلح للأمومة ولتربية الطفل وهذه المهمة اعتبرت أهم بناء في الإسلام بموجب الحديث النبوي.
ما بني في الإسلام بناءً أحب عند الله من الزواج. (حديث شريف).
إن هذه المهمة التي لا تقل تأثيرًا عن أي مهمة حياتية أخرى، حيث إنها تصنع الفرد وهو قوام المجتمعات، أن هذه المهمة تتناسب مع المرأة، فالإسلام ينصحها بتحمل هذه الرسالة دون أن يفرض عليها، فليس الزواج واجبًا عليها ولا أداء هذه المهام مفروضة عليها حسب التفاصيل المذكورة في كتب الفقه. ثم يحاول تهيئة الجو المناسب لها لكي تتفرغ لأداء هذه المسؤولية، فيفرض على الرجل أن يُنفق عليها تسهيلًا لمهمتها.
ويعوّض على الرجل بمضاعفة حصته في الميراث لحصتها، حتى تتحقق العدالة وحتى لا يكون المال: ﴿دولة بين الاغنياء منكم﴾ على حد تعبير القرآن الكريم.
ويبني الإسلام على أساس هذا الإختصاص وهذه الممارسة سائر أحكامه فيحكم بقبول شهادة المرأة في إطار عملها واختصاصها مثلًا.
أما موضوع الغطاء في الإسلام، فليس المقصود منه تحقير المرأة أو حبسها أو التفخيم والتمجيد الزائد لها، كما كان متعارفًا عند بعض الشعوب، بل إنه سلاح للمرأة ومنع لطغيان الأنوثة على المرأة، لئلا يتغلب هذا الجانب على جميع كفاءاتها. إن هذا القصد واضح في الآيات القرآنية التي تمنع الخضوع في القول، أو الضرب بالأرجل في المشي، أو التبرج أو إبداء الزينة. الآيات القرآنية في هذا الشأن كثيرة نذكر بعضًا منها: ﴿فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض﴾ [الأحزاب، 32]. و﴿ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن﴾ [النور، 31]. ﴿ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ [الأحزاب، 33]. و﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها﴾ [النور، 31].
والحقيقة أن إبراز مفاتن المرأة يؤدي إلى طغيان جانب الأنوثة على وجود المرأة، فيحولها إلى لوحة فنية فقط. إن هذا احتقار لها وتنكر لكفاءاتها، وتقليل لعمرها ولوقتها وفرصها الغالية، وعلى الأخص فإن هذا الأمر يؤدي إلى حرمانها وحرمان المجتمع من اتقانها خدمة الأمومة.
هذه هي المعالم الرئيسية لموقف الإسلام تجاه المرأة، وعلى هذا الأساس يمكننا معرفة العادات وتمييزها عن الأحكام، ونتمكن أيضًا من اكتشاف الروايات التي تستعرض وضع المرأة في مرحلة تاريخية معينة.
وقد بذل رسول الله جهدًا متناهيًا في رفع مستوى المرأة التي كانت تعيش في عصره، والتي كانت تحمل تبعات الاضطهاد للماضي الطويل، وعُقَده وفي تحسين نظرة الناس إليها فقد اعتبر أن: "خير الأولاد البنات"، وأن "أحسن الناس أحسنهم لزوجته"، وأن "المرأة محببة عنده من الدنيا كالصلاة"، وأن "النساء أمانته في أمته".
واعتقد أن ما نُقِل عن الإمام علي عليه السلام حول المرأة، جعل بعض الباحثين من المستشرقين وغيرهم (يعتبرونه) عدو المرأة. نظير قوله: "المرأة شر كلها وشر ما فيها أنه لا بد منها"، أو قوله: "النساء عي وعورة فاستروا عيهن بالسكوت وعورتهن بالبيوت"، وأمثال ذلك... إن هذه العبارات على افتراض صدورها عن الإمام، إنما هي من قبيل القضايا الخارجية على مصطلح الأصوليين، تعبر عن وضع المرأة في مرحلة تاريخية معينة.
وللإمام كلمات وحكم أخرى تنطبق تمامًا على ما استنتجناه من القرآن الكريم. وهو في بعض الأحيان يحاول أن يعطي تفسيرًا رائعًا عما كان شايعًا بين الناس من الأمثال حول الإمراة، فحينما يسمع المثل الشائع: "إن النساء ناقصات العقول ناقصات الحظوظ ناقصات الإيمان"، يفسرها بمثل ما شاهدناه من التعاليم القرآنية من التفاوت في الميراث والشهادة، وبالتفاوت في أداء بعض الفرائض في حالات خاصة، وهذا الأسلوب هو موقف تربوي رائع نجده ونجد مثله في حياة النبي والأئمة وفي حياة الزهراء عليهم السلام.

 

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha